طريقة تعتيق العطور
ثقافة عامة, علوم عطرية

العمر الإفتراضي للعطور ما بين الخلط والتعتيق.

  • كيف وأين يجب أن نحتفط بالعطور لإطالة عمرهم؟ 

هذا السؤال تكرر مرات لا تحصى في المنتدي الدولي في موقع فراجرانتيكا.
جامعي العطور ينتوون الحفاظ على كنوزهم لأطول فترة ممكنة.
للقراء الأقل صبراً سأكرر فورا النقاط والثوابت المحفوظة: الأعداء الرئيسيون لأي منتج عطري هم ضوء الشمس والأكسجين والبيئة الرطبة والحرارة والاختلافات الكبيرة في درجة حرارة الجو المحيط. لذلك، وللحفاظ على العطور يجب الإحتفاظ بها في عبواتها، في مكان مظلم وبارد، بعيدا عن مصادر الضوء والحرارة والرطوبة (الرف في خزانه الحمام هو الخيار الأسوأ). عادة ما تكون مدة الصلاحية لماء التواليت عبارة عن 3 سنوات، ولكن أي جامع للعطور المعتقه سيسخر من ذلك، وكدليل سيعطيك زجاجة عطر لم “تتأثر” او “تتغير” ب 50 أو، ربما، حتى 100 سنة من العمر .

كان ذلك ايضاح سريع وبيان عام؛ ولكن استميحكم عذراً، أود أن أبدأ بالتفسير العلمي والعمليات الكيميائية بالتفاصيل و الممارسات التقليدية في صناعه العطور.
إذا سنحت لديك فرصة لقراءة أي شيء عن إنتاج العطور، بالتأكيد ستتذكر أنه بعد ان يتم تخفيف الزيوت العطريه في الكحول، يجب ان يترك الخليط لبعض الوقت (عادة حوالي شهر) ل ‘ينضج’ ويتمازج ، هذه العملية تدعي النضج. [لا يجب الخلط بينها و بين عمليه النقع، التي تحدد عملية التشبع لأي وسيط مع الزيوت العطرية، مثل، على سبيل المثال، طريقة التشريب، عندما يتم العمل علي تشبع كتلة دهنية غير معطره بالزيوت المعطرة].

توضح أغلب مصادر القراءات الشعبية عن العطور الحاجة لتعتيق العطور، في اشارة الى الطقوس السحرية التي تتم خلال ذلك. ولكن ألا تظن أنه من السخيف جدا لصناعة العطور إضاعة الوقت والمال على مثل هذه الحيل؟ لقد رأيت تفسيرا واضحا لعمليه نضج وتعتيق العطور عبر السنوات. لنبدأ معاً لمعرفة ما يحدث أثناء عملية النضج في دوره حياه العطور.

هل سمعت يوماً عن أطروحة الدكتوراه لمندليف وهو ما يسمى علميا “إثبات” و “اختراع الفودكا”؟ الاسم الحقيقي لذلك هو “الحديث عن خلط الكحول والماء” عام (1865). و خلال مائتي صفحه مكرسة لشرح مفصل لكيفية خلط الكحول مع الماء. يبدو غريبا، أليس كذلك؟ ما هو المثير الذي يمكن أن يحدث عند سكب اثنين من السوائل المعروفة جدا معا؟ ولكن هناك حقاً بعض الحقائق المثيرة للاهتمام تستحق التوضيح. أولا وقبل كل شيء، إذا أخذت واحد غالون من الماء لخلطه مع واحد غالون من الكحول، فإنك لن تحصل على ٢ غالون من الخليط، ولكن أقل من ذلك بقليل. أين تذهب البقية؟ مندليف تعلم الربط بين “حجمين مختفين” والنسبة المئوية للخليط، واكتشف أن تغييرا طفيفا في النسبة يمكن أن يؤدي إلى تغييرات جذرية في الحجم الكلي للخليط.

الحقيقه هي، عندما نخلط الكحول مع الماء للحصول على محلول، فإن التفاعل الكيميائي يؤدي إلى الحصول على هيدرات الكحول. جزيء هيدرات الكحول يحتل مساحة فعليه أقل من نفس الكمية من الماء والكحول منفصلين، وبالتالي يقلل من الحجم الكلي للمحلول. هيدرات الكحول تختلف عن بعضها البعض بشكل كبير، وبالتالي فإنها تمتلك الخصائص الفيزيائية الكيميائية المختلفة فجزيئات الماء والكحول تخلق روابط هيدروجينية قوية، وتستغرق محاولة توزيعها بالتساوي في الخليط بعض الوقت. وهذا هو السبب عند صناعه الفودكا يجب تسخينها. نحن هنا نستعرض عملية طويلة ومعقدة من خلط اثنين فقط من المكونات كالماء والكحول. تخيل، كم من التطورات المختلفة تحدث داخل العطور التي تحتوي العشرات من المركبات النشطة ؟!

المواد العطرية – الألدهيدات، والكحول، الاكتونات، الاسترات ومشتقات التربين – عادة ما تكون مواد كيميائية نشطة للغاية مع روابط عديدة ومجموعات وظيفية ذات ردود أفعال كيميائيه مختلفه. انهم جميعا بحاجة فقط لركلة طفيفة لادراك التعادل او الأكسدة أو البلمرة. خلط كل منهم معا يسبب ضجة كبيرة، كما هو الحال في مركب الدومينو عند تحريك قطعة واحدة، لا يمكنك ايقاف البقية. لا نريد اي تفاعل كيميائي ذو نتائج سيئه عند صناعه العطور. وإذا كان بعض الألدهيدات ذات رائحة جميلة، فمنتجات الأكسدة بالتأكيد لن تحظي بالقبول و ستفضل تجنبها. إذا كنت تعرف رائحة melonal الملوث أو adoxal، سيكون لديك فكرة عن أي نوع من الرائحة الكريهة نتحدث.

أي تفاعل كيميائي عضوي هو تفاعل عكسي ولا يأتي نهايته وغالباً ما يقف في مرحله ما في الوسط، مما يؤدي إلى خليط من المواد والمنتجات نتيجه ردود الفعل الأولية. عاجلا أم آجلا يتحقق التوازن المطوب أخيرا – وهذا هو ما نريده في صناعه العطور و يحدث بعد حوالي شهر من الانتظار بعد خلط جميع المكونات العطريه. وعادة ما يتم تبريد الخليط ليتهيئ لمرحله النضج (وأحيانا، بسبب وجود نسبة عالية من بعض المواد الطبيعية قد تحدث رواسب)، ويتم تصفيتها قبل التعبئه في الزجاجات النهائيه.

ولكن بعض ردود الفعل غير المرغوب فيها لا يمكن تجنبها. وسوف نطرح اثنين من الأمثلة.

الأول هو وقوع قاعدة شيف –
Schiff base
الغير مرغوب فيها. هذه المادة هي نتيجة تفاعل بين مركبات الكربونيل (الألدهيدات والكيتونات) والأمينات. في بعض الأحيان، يتم العمل على قاعده شيف عن قصد، على سبيل المثال،
Aurantiol Schiffs base MA –
هيدروكسي برائحه مسكره من زهر البرتقال ومسك الروم. لا يوجد كثير من مركبات النيتروجين في صناعه العطور، ولكن إذا كان العطر يحتوي
anthranilate
الميثيل (رائحة الفواكه الحلوه) أو الإندول، وفي الوقت نفسه يحتوي علي الألدهيدات والكيتونات (هم الأكثر احتمالا)، فاحتمال وجود قاعدة شيف لا مفر منه. السائل لهذه العطور يكون اكثر قتامة، لأن مركبات قاعدة شيف لونها مائل الي البرتقالي/البني المكثف للخليط كله. قاعدة شيف المشتقة من الألدهيدات الأليفاتية
(أو الألدهيدات “aldehydic” كعطر شانيل رقم ٥)،
غير مستقره، وتميل إلى بلمرة مماثلة لعملية تكثيف مركبات الألدول. ليست هناك حاجة إلى القول بأن كل مرحله من التحول الكيميائي تعمل علي تغير في رائحة العطر العامة. انها حقاً فوضى! ( وتلك الفوضى اما ان تفاجئك مفاجئة سارة او مفجعة بعد انتظارك لفترة زمنية ليست بالقصيرة لترى نتيجة الامر)

الثاني هو ظهور الأسيتالات في التفاعل بين الكحول والألدهيدات. العطر هو المثال الأكثر فعليه لمثل هذه العملية، فإنه يحتوي على الكثير من كلا من: الكحولات والألدهيدات. إذا نظرتم الى التدرج اللوني للعطور المعتقه، ستلاحظ أن جزءا كبيرا من الألدهيدات موجود في شكل أسيتال. الأسيتال رائحة تشبه الى حد بعيد الألدهيد الأولي، ولكن أخف وألطف، لأن التعتيق يجعل العطور أفضل توازنا.
فقد يتم الحصول على بعض الأسيتالات عمدا لاستخدامها في تركيب العطور (نلقي نظرة على صيغ الميثيل و الإلنتال بالصور المرفقة ).

ليست هناك حاجة لتسريع النضج، فقد يصبح هذا كفتح صندوق باندورا والحصول على كتلة راتنجية نتنه بدلا من العطر. الأفضل في هذه الحالة هو أن يترك العطر الطازج يختلط وحده، والانتظار حتى تصبح جميع أجزائه متوازنة. في كثير من الأحيان بعد النضج، الرائحة تحمل بعض التغييرات. و في بعض الأحيان لا بد من استبدال المكونات أو تغير نسب الخلط .

  • كيف وأين نحتفظ بالعطور؟

عندما لا تنعرض العطور للأوكسجين، و يتم ابقائها في الظلام وعند درجة حرارة منخفضة، نحن نبطئ من التأثير الضار للوقت و عامل الزمن. في الوقت الحاضر، الكيميائيين يعملون علي إضافة مضادات الأكسدة لكل العطور. هذه المواد تقتل الاستمتاع بعطورنا المفضلة لفترة أطول.
على سبيل المثال، الأنيسول من مضادات الأكسدة الأكثر شيوعا. في كثير من الأحيان يتم إضافة عدد من المواد التي تعمل علي الاستقرار لمواد العطور كمثبطات البلمرة، و غيرها

هناك افتراض بأن العطور يجب ان تترك فترة من الوقت بعد رحلة طويلة في البريد. فمن المنطقي، أن الاهتزاز الشديد والفرق في درجات الحرارة (خاصة أثناء النقل الجوي) تسهم في زياده الضرر.

نتحدث هنا عن الضرر اللاحق من بعض المواد في الصناعه، ويجب أن نضع في اعتبارنا أن كل مركب له خواصه الكيميائية والفيزيائية الفريدة، وبالتالي تطرأ التغيرات لكل مركب بطريقتة الخاصة ويتحمل تأثير المركبات المجاورة التي تمر بنفس العملية. قد تكون الانطباعات الشميه العامة مختلفة في كل مرة. و يمكننا فقط وضع افتراضات عامة جدا، أن الألدهيدات أقل استقرارا من الكحول، و أن المركبات ذات الروابط العديدة أكثر تفاعلا من تلك المشبعة.
زيوت الحمضيات تحتوي على مواد تربين خفيفه والألدهيدات ضعيفة جدا (الزيوت الأساسية للحمضيات، وخاصة المعصوره علي البارد، فمن المستحسن ان يتم تبريدها). العطور الشيبر و ماء الكولونيا، تتألف من نصف برغموت والنصف الآخر من زيوت الحمضيات، لا يمكن أن تصمد أمام تأثير الوقت في حين ان عطور البلسم الشرقية، تخلط عادة من مكونات أكثر استقرارا، وأقل هشاشة و يتم تعتيقها بشكل جيد.

روابط هيدروجينية، تكاثف، مركبات الإندول و الكيتونات … تماما مثل كل شيء في العالم، تولد العطور ويجب أن تموت في النهاية.

المقال بقلم: مات يودوف
Mat Yudov

مات يودوف هو كيميائي عطور وموسيقي. باحث ومتخصص في كيمياء المواد العطرية. تخرج من جامعة موسكو الحكومية “لومونوسوف” في عام 1999.

موضوعات مرتبطة